أسوار الكرامة !!

أسوار الكرامة

تطرق أسماعنا بين الفينة والأخرى وعلى طول سني العمر الكثير من الكلمات والمصطلحات التي نستعملها في حياتنا العامة ولكننا في كثير من الأحيان لا نهتم بالجوهر بل نكتفي بالمعنى السطحي للكلمة ، ولا نكلف وسعنا بمعرفة ما ترمز إليه من هذه الكلمات والمصطلحات دون التوغل إلى عمق الجوهر وما يشكله ذلك في حياتنا الشخصية، تأتي من ضمن هذه الكلمات ( الكرامة ) فما مفهوم أو تعريف الكرامة :
هنا لا اقصد بالكرامة التي ينالها صلحائنا من أهل الدين من خلال مجاهداتهم الدينية أو مجالات اختصوا بها تمثل أمور لإبصارهم لا يراها غيرهم و مشاهدة أشياء أو وقائع لا تدركها حواس من سواهم و استجابة دعاء لهم لشفاء مريض لا أمل في شفائه...و النجاة من الأخطار بطريقة غير متعارف عليها ..وقد يقع نظير ذلك لغير أهل الصلاح إذا كان ذا نية صادقة و نفس منقطعة. بل ما أقصده هو الكرامة الشخصية والتي عرفها المختصون بأنها سيادة الشخصية . أنا تعريفي الشخصي لها بان ( كرامتي خط احمر ولها (علْم ) خاص بها ولا اسمح لكائن من يكون أن يتجاوزه او يمزق العلم لأنهما جزء من عزة نفسي وكبريائي ) ....
لذا ترافق هذه الكلمة كلمات تخرج لا إرادية من الأشخاص الذين توصلوا إلى جوهرة معنى الكلمة ليحافظون على كرامتهم ولم يغفلوا عنها لحظة واحدة وهي (جرح الكرامة - خدش الكرامة - الحد من الكرامة - كرامتي أغلى من راسي—أموت وتبقى كرامتي محفوظة .... الخ )، أذن الكرامة ليست من فصيلة أو نمط (الشهامة والنخوة والإيثار والكرم والفروسية والجبن والتخاذل والخوف) وغيرها من الصفات التي تلازم الإنسان دون أن يراها بل يحس بها ويراها غيره فيه وهي صفات بعضها حميدة نكتسبها بمرور الزمن لكي تقترن بأسمائنا وتلتصق فينا كصفة جميلة إذ عرفنا كيف نحافظ عليها .
وما جرح الكرامة وهنا اقصد غير الجرح المتعارف عليه حيث يعلم الجميع بان الجرح هو ما يقطع من الخلايا المكونة للجسد من الخارج أو من الداخل يصاحبه نزيف الدم أو جريانه وحسب عمق الجرح ونستطيع أن نراه بسهولة ونحس بألمه وهو ابسط أنواع الجروح ، وبعضهم يتمنى أن يراق دمه ويصاب بأي جرح حتى وان أدى إلى موته على أن لا يصاب بجرح الكرامة ذلك الجرح ( الوهمي ) والغير مرئي الذي قد لا يكلف البعض أي شيء يذكر ويذهب إلى فراش نومه بعد أن يصاب به ليغفوا بسعادة وهناء وكأن شيء لم يكن .
لكنه لدى البعض اشد ألما من أي جرح يصيب الجسد ، وجروح الكرامة ليست بالمستوى الواحد بل هناك ما يشفى أو ينسى أو يتناسى بمجرد مرور الأيام على ذلك الجرح أو من خلال اخذ الثأر من الذي سبب في ذلك الجرح من باب رد الاعتبار ، أو عن طريق الاعتذار والتأسف وجبر الخواطر بطريقة أو بأخرى .وهناك جراح تصيب الكرامة وتنسى بمجرد زوال الأسباب التي أحدثت ذلك الجرح ، وأعمق تلك الجراح التي تصيب الكرامة في الصميم هو جرح ( الشرف ) الشخصي آو المشترك حيث يبقى ينز قيحاً حتى وان مرت عليه سنين طوال. وما غسل العار ألا نوعا من أنواع التهدئة لثورة النفس التي أصيبت كرامتها بالصميم ، لكنه ليس الحل الكامل لشفاء الجرح بل تبقى نقطته السوداء شاخصة مادام في العمر بقية ، أما الجرح المشترك للشرف فهو يصيب كل من يخصهم الموضوع أو ممن يكونوا جزء منه .وسكان القرى والأرياف و القبائل في بلداننا العربية هم أكثر المتمسكين بتلك الأعراف والتقاليد الرائعة ممن يعتبر كرامته معلقة بصون شرفه بكل ما للكلمة من معنى ، والكرامة ومنها الشرف لاختلاف فيها بين الرجل والمرأة لكونها هاجس يكمن داخل النفس البشرية ولا يختلف من ناحية الجوهر والمعنى بين جنس وأخر ، فالجرح الذي يصيب الجميع تكون ألامهِ واحدة لا تختلف بين الجنسين بغض النظر عن طريقة التعبير عن ذلك الألم .
سعينا دائما ببناء سور محكم حول الكرامة تليه أسوار وأسوار من كل الجوانب ، من الممكن أن نهد تلك الأسوار جميعها بأيدينا دفعة واحدة لنبقي كرامتنا مكشوفة في العراء تستطيع السهام أن تصلها وتطالها بكل سهولة ، لكن الحفاظ عليها داخل تلك الأسوار ليس بالأمر المستحيل وكذلك هو ليس بالأمر الهين والبسيط ، فاحترام كرامة الغير وعدم المساس بها ، هو خير طريقة لحماية الكرامة الشخصية من الأذى ، أما من يبدأ بطرق أبواب الناس بدون سبب او حاجة عليه أن يتذكر بان بابه سيتعرض للطرق في أي وقت من الأوقات ، ومن يجرح كرامة الغير عليه أن يستوعب حجم الدمار الذي سيحل بأسوار كرامته مهما كانت متانتها .
في يوم من الأيام كنا نغفو بأمان الله وحفظه ، واستيقظنا مذعورين على صوت طبول الكارثة التي حلت بأسوار كرامتنا على غفلة من امرنا ، سهام كأنها القطر إصابة كرامتنا في الصميم ، مع ثقتنا الكاملة بأنفسنا بأننا لم نصب أحدا بكرامته لكي يثأر لحاله بهذا الكم من الإصابات المباشرة التي جعلت من كرامتنا وأسوارها ركاما يرثي له الناظر أذما وقع بصره عليهما ، وجدنا حالنا مكشوفين في العراء ونزيف الدم اخذ من حالنا مأخذاً كبيراً ، أنها قطعان الجيش الأمريكي ومجنداتهم ودروعهم ودباباتهم تجوب شوارع بغداد لتضرم النار في اليابس والأخضر على حد سوء ، وهاهو الجندي القذر يتبول في نهر الفرات المحترم ليجبرني على الصلاة بالتيمم بدل الوضوء، وما عويل دجلة الخير وصراخها الذي يصم الأذان ألا من حثالة ما تبقى في قناني الخمر التي ملئوا بطونهم النجسة بها والقوها من على جسر الأحرار في بغداد والتي لازالت تتلاطمها الأمواج لتلقي بها على ساحل النهر الخالد للتخلص من نجاستها لكن دون جدوى ،
أن الرافدين العظيمين هما ملك العراق والعراقيين وحدهم ، وجرحهما هو جرح العراقيين كذلك وحدهما ، ولا يحس بالجرح ألا من أصيبت كرامته في الصميم ، وترميم الكرامة وترقيعها لآياتي من مقولة ( سامحكم الله ) أنها لافتة الضعفاء ممن لا كرامة لهم ، بل خير الأمور التي نحتاج أليها هو أن نعيد للأذهان الحقيقة الأزلية التي تقول بان الفراتين الطاهرين هما من يروي ظمئنا آذ عطشنا و كرامتهما من كرامتنا لكنها لازالت قيد الأسر والتحقيق !!!! في سجون كل سجانيها وحراسها ممن لا يمتلكون ذرة من الكرامة كي يعطوا الكلمة حقها ، ولا نريد حقها شحذا أو هبة من أناس تركوا أعراضهم تنتهك خلف الأطلسي ليعبروا ألينا بخيول من الفولاذ يخجل الفارس الأصيل أذما اجبر على امتطاء ظهورها ، لأنها الفارس ومن عليها هم الخيل ، وطأت أقدامهم أرضنا على حين غرة دون وازع من ضمير حي لكي يجعلوا من دمائنا انهاراً باردة تشكوا ظلمها إلى الباري عز وجل ، ذلك الظلم الذي لم يصب كرامتنا فحسب بل كان نصيب العرب والمسلمين حصتهم فيها بقدر حصتنا أن لم تكن اكبر لان الفارس الأعزل لن يكون فارسا تعاب عليه فروسيته أذما ثلم سيفه في ميدان المنازلة أو سجن خلف قضبان الأسود ، وحملة السيوف والتروس يغطون في سبات عميق في أبراج ( دبي ) وحاناتها التي لا تنضب من أصناف النبيذ الذي طاب لهم مشكلين بذلك شكلا ثالثا للعرب وهم العرب ( المستعرية ) بعد العرب العاربة والعرب المستعربة ، فطوبا لكل من يحتفظ بما تبقى من كرامته إلى حين لأنه أرقى بل أسمى وأعظم ممن لا كرامة له !!!!!